فصل: شهر ذي الحجة الحرام سنة 1218:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر ذي الحجة الحرام سنة 1218:

استهل بيوم الثلاثاء وفيه تقلدوا علي آغا الشعراوي والياً على مصر.
وفيه نهبوا بيت محمد آغا المحتسب وقبضوا عليه وحبسوه.
وفي ليلة الأربعاء، أنزلوا محمد باشا خسرو وابراهيم باشا الى بولاق، وسفروهما الى بحري ومعهما جماعة من العسكر، وكانت ولايته هذه الولاية الكذابة شبيهة بولاية أحمد باشا، الذي تولى بعد قتل طاهر باشا يوماً ونصفاً، وكان قد اعتقد في نفسه رجوعه لولاية مصر، حتى أنه لما نزل من القلعة الى بيت محمد علي، نظر الى بيته من الشباك مهدوماً منخرباً فطلب في ذلك الوقت المهندسين وأمرهم بالبناء وذلك من وساوسه، يقال إن السبب في سفره إخوة طاهر باشا، فإنهم داخلهم غيظ شديد،ورأى محمد علي نفرتهم وانقباضهم من ذلك وعلم أنه لا يستقيم حاله معهم وربما تولد بذلك شر، فعجل بسفره وذهابه.
ومن الاتفاقات العجيبة أيضاً أن طاهر باشا لما غدر بمحمد باشا أقام بعده اثنين وعشرين يوماً، وكذلك لما غدر المصرلية بالألفي لم يقيموا بعد ذلك إلا مثل ذلك.
وفيه صعد عابدي بك أخو طاهر باشا بالقلعة، وأقام بها.
وفي ليلة الخميس ثالثه، أطلقوا عثمان بك يوسف وسافر الى جماعته جهة قبلي، يقال إنه افتدى نفسه منهم بمال، وأطلقوه ومعه خمسة مماليك، وأعطوه خمسة جمال وأربعة هجن وخيلاً.
وفيه أفرجوا عن محمد آغا المحتسب، وأبقوه في الحسبة على مصلحة عملوها عليه وقام بدفعها، وركب وشق في المدينة وعمل تسعيرة ونادى بها في الشوارع والأسواق، وأما الأمراء فإنهم باتوا أول ليلة جهة البساتين وفي ثاني يوم ذهبوا الى حلوان وحضر إليهم حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية، ومروا من تحت القلعة وانفصلوا من العسكر الذين كانوا معهم في المطرية، وتركوا لهم الحملة، ووصل إليهم أيضاً يحيى بك من ناحية رشيد وأحمد بك من دمياط، وذهبوا إليهم ووصل يحيى بك من ناحية الجيزة وأحضر معه عرباناً كثيرة من الهنادي وبني علي وغيرهم، ونزلوا بإقليم الجيزة، ونهبوا البلاد وأكلوا المزروعات واستمروا على ذلك وانتشروا الى أن صارت أوائلهم بزاوية المصلوب وأواخرهم بالجيزة.
وفيه كتبوا مكاتبات من نساء الأمراء المصرلية بأنهم لا يتعرضون لأحد من العساكر الكائنة بقبلي، وإن قتل منهم أحد اقتصوا من حريمهم وأولادهم بمصر.
وفي يوم الجمعة حضر محمد بك المبدول بأمان، ودخل الى مصر.
وفي يوم الأحد سادسه أصعدوا عمر بك وبقية الكشاف وبعض الأجناد المصرية الى القلعة.
وفي عدى كثير من العسكر الى بر الجيزة، ووقع بينهم وبين العرب بعض مناوشات، وقتل أناس كثيرة من الفريقين.
وفي سابعه، ظهر محمد بك الألفي الكبير من اختفائه وكان متواريه بشرقية بلبيس برأس الوادي عند شخص من العربان يسمى عشيبة، فأقام عنده مدة هذه الأيام وخلص إليه صالح تابعه بما معه من المال، وكان البرديسي استدل على مكانه وأحضر أناساً من العرب وجعل لهم مالاً كثيراً عليه، وأخذوا في التحيل عليه فحصلت هذه الحوادث وجوزي البرديسي بنيته وخرج من مصر كما ذكر، وكانوا في تلك المدة يشيعون عليه إشاعات، مرة بموته ومرة بالقبض عليه وغير ذلك، فلما حصل ما حصل وانجلت الطرق من المراصدين اطمأن حينئذ. وركب في عدة من الهجانة وصحبته صالح بك تابعه ومروا من خلف الجبل وذهب الى شرق اطفيح، ونزل عند عرب المعازة، وتواتر الخبر بذلك.
وفي تاسعه وصل أحمد باشا خورشيد الى منوف، فتقيد السيد أحمد المحروقي وجرجس الجوهري بتصليح بيت ابراهيم بك بالداودية وفرشه.
وفي ليلة الإثنين رابع عشره، وصل الباشا الى ثغر بولاق، فضربوا شنكاً ومدافع وخرج العساكر في صبحها والوجاقلية وركب ودخل من باب النصر وأمامه كبار العساكر بزينتهم. ولم يلبس الشعار القديم بل ركب بالتخفيفة وعليه قبوط مجرور وخلفه النوبة التركية، ودخل الى الدار التي أعدت له بالداودية، وقدموا له التقادم وعملوا بها تلك الليلة شنكاً وسواريخ.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره، مر الوالي وأمامه المنادي وبيده فرمان من الباشا ينادي به على الرعية بالأمن والأمان والبيع والشراء.
وفي منتصفه، حضر عبد الرحمن بك الابراهيمي وكان في بشبيش بناحية بحري، فطلب أماناً وحضر الى مصر.
وفي يوم الجمعة، تحول الباشا من الداودية الى الأزبكية وسكن ببيت البكري حيث كان حريم محمد باشا، فركب قبل الظهر في موكب وذهب الى المشهد الحسيني وصلى الجمعة هناك. ورجع الى الأزبكية.
وفيه فتحوا طلب مال الميري من السنة القابلة لضرورة النفقة، فاغتنم الملتزمون لذلك لضيق الحال وتعطل الأسباب وعدم الأمن، وتوالى طلب الفرد من البلاد فلو فضل للملتزم شيء، لا يصل إليه إلا بغاية المشقة وركوب الضرر، لوثوب الخلائق من العربان والفلاحين والأجناد والعساكر على بعضهم البعض من جميع النواحي القبلية والبحرية، ثم أن الوجاقلية وبعض المشايخ راجعوا في ذلك، فانحط الأمر بعد ذلك على طلب نصف مال الميري من سنة تسعة عشر وبواقي سنة سبعة عشر وثمانية عشر، وكذلك باقي الحلوان الذي تأخر على المفلسين. وكتبوا التنابيه بذلك وقالوا من لم يقدر على الدفع فليعرض تقسيطه على المزاد، هذا والأجناد والعرب محيطة ببر الجيزة والعسكر من داخل الأسواد لا يجسرون على الخروج إليهم. وحجزوا المراكب الواردة بالغلال وغيرها حتى لم يبق بالسواحل شيء من تلك الغلة أبداً. ووصل سعر الأردب القمح إن وجد خمسة عشر ريالاً.
وفي يوم الأحد عشرينه، وصل العسكر الذين كانوا صحبة سليمان بك حاكم الصعيد، فدخلوا الى البلدة وأزعجوا كثيراً من الناس وسكنوا البيوت بمصر القديمة بعدما أخرجوهم منها وأخذوا فرشهم ومتاعهم، وكذلك فعلوا ببولاق ومصر عندما حضر الذين كانوا ببحري.
وفيه قلدوا الحسبة لشخص عثمانلي من طرف الباشا، وعزلوا محمد آغا المحتسب، وكذلك عزلوا علي آغا الشعراوي، وقلدوا الزعامة لشخص آخر من أتباع الباشا، وقلدوا آخر أغات مستحفظان.
وفي ليلة الثلاثاء ثاني عشرينه، خرجت عساكر كثيرة وعدت الى البر الغربي، ووقعت في صبحها حروب بينهم وبين المصرلية والعربان، وكذلك في ثاني يوم ودخلت عساكر جرحى كثيرة وعملوا لهم متاريس عند ترسة والمعتمدية، وتترسوا بها والمصرلية والعربان يرمحون من خارج وهم لا يخرجون إليهم من المتاريس، واستمروا على ذلك الى يوم الأحد سابع عشرينه.
وفي ذلك اليوم، ضربوا مدافع ورجع محمد علي والكثير من العساكر، وأشيع ترفع المصرلية الى فوق، ووقع بين العربان اختلاف وأشاعوا نصرتهم على المصرلية وأنهم قتلوا منهم أمراء وكشافاً ومماليك وغير ذلك.
وفي ذلك اليوم شنقوا شخصاً بباب زويلة وآخر بالحبانية وهما من الفلاحني، ولم يكن لهما ذنب، قيل إنه وجد معهما بارود اشترياه لمنع الصائلين عليهم من العرب، فقالوا إنكم تأخذونه الى المحاربين لنا، وكان شيئاً قليلاً.
وفيه نزل جماعة من العسكر جهة قبة الغوري ومعهم نحو ثلاثين نفراً بجمالهم، فقرطوا القمح المزروع وكان قد بدا صلاحه، فطارت عقول الفلاحين واجتمعوا وتكاثروا عليهم وقبضوا على ثلاثة أشخاص منهم وهرب الباقون، فدخلوا بهم المدينة ومعهم الأحمال وصحبتهم طبل وأطفال ونساء، وذهبوا تحت بيت الباشا فأمر بقتل شخص منهم لأنه شامي وليس بأرنؤدي ولا انكشاري، فقتلوه بالأزبكية فوجدوا على وسطه ستمائة بندقي ذهب وثلثمائة محبوب ذهب والله أعلم، وانقضت السنة وما حصل بها من الحوادث.
وأما من مات فيها ممن له ذكر فمات الفقيه العلامة والنحرير الفهامة الشيخ أحمد اللحام اليونسي المعروف بالعريشي الحنفي، حضر من بلدته خان يونس في سنة ثمان وسبعين ومائة وألف، وحضر أشياخ الوقت، وأكب على حضور الدروس وأخذ البيلي والشيخ محمد الجناحي والصبان والفرماوي وغيرهم، وتفقه على الشيخ عبد الرحمن العريشي ولازمه، وبه تخرج وحضر على شيخ الوالد في الدر المختار من أول كتاب البيوع الى كتاب الإجارة بقراءته وذلك سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف، ولم يزل ملازماً للشيخ عبد الرحمن ملازمة كلية. وسافر صحبته الى اسلامبول في سنة تسعين لبعض المقتضيات وقرأ هناك الشفاء والحكم بقراءة المترجم، وعاد صحبته الى مصر ولم يزل ملازماً له حتى حصل للعريشي ما حصل ودنت وفاته، فأوصى إليه بجميع كتبه واستمر عوضه في مشيخة روانق الشوام، وقرأ الدروس في محله وكان فصيحاً مستحراً متفسلفاً من المعقولات والمنقولات، وقصدته الناس في الإفتاء واعتمدوا أجوبته، وتداخل في القضايا والدعاوى، واشتهر ذكره واشترى داراً واسعة بسوق الزلط بحارة المقس خارج باب الشعرية، وتجمل بالملابس وركب البغال وصار له أتباع وخدم، وهرعت الناس والعامة والخاصة في دعاويهم وقضاياهم وشكاويهم إليه، وتقلد نيابة القضاء لبعض قضاة العساكر أشهراً، ولما حضرت الفرنساوية الى مصر، وهرب القاضي الرومي بصحبة كتخدا الباشا كما تقدم، تعين المترجم للقضاء بالمحكمة الكبيرة. وألبسه كلهبر ساري عسكر الفرنساوية خلعة مثمنة، وركب بصحبة قائمقام في موكب الى المحكمة، وفوضوا إليه أمر النواب بالأقاليم، ولما قتل كلهبر، انحرف عليه الفرنساوية لكون القاتل ظهر من رواق الشوام وعزلوه، ثم تبينت براءته من ذلك الى أن رتبوا الديوان في آخر مدتهم، ورسم عبد الله جاك منو باختيار قاضي بالقرعة، فلم تقم إلا على المترجم، فتولاه أيضاً وخلعوا عليه، وركب مثل الأول الى المحكمة واستمر بها الى أن حضرت العثمانيون وقاضيهم، فانفصل عن ذلك ولازم بيته مع مخالطة فصل الخصومات والحكومات والإفتاء، ثم قصد الحج في هذه السنة فخرج مع الركب وتمرض في حال رجوعه، وتوفي ودفن بنبط رحمه الله.
ومات الشيخ الإمام العمدة الفقيه الصالح المحقق الشيخ علي المعروف بالخياط الشافعي حضر أشياخ الوقت وتفقه على الشيخ عيسى البراوي ولازم دروسه وبه تخرج واشتهر بالعلم والصلاح وأقرأ الدروس الفقهية والمعقولية وانتفع به الطلبة وانقطع للعلم والإفادة، ولما وردت ولاية جدة لمحمد باشا توسون طلب إنساناً معروفاً بالعلم والصلاح فذكر له الشيخ المترجم فدعاه إليه وأكرمه وآساه وأحبه وأخذه صحبته الى الحجاز وتوفي هناك رحمه الله.
ومات الرئيس المبجل المهذب محمد أفندي باش جاجرت الروزنامة وأصله تربية محمد أفندي كاتب كبير الينكجرية وتمهر في صنعة الكتابة وقوانين الروزنامة وكان لطيف الطبع، سليم الصدر، محبوباً للناس، مشهور بالذوق وحسن الأخلاق مهذباً في نفسه متواضعاً يسعى في حوائج إخوانه وقضاء مصالحهم المتعلقة بدفاترهم، قانعاً بحاله مترفهاً في مآكله وملبسه واقتنى كتباً نفيسة ومصاحف، وتجتمع ببيته الأحباب ويدير عليهم سلاف أنسه المستطاب مع الحشمة والوقار وعدم الملل والغفار، ولما اختلفت الأحوال وترادفت الفتن ضاق صدره من ذلك واستوحش من مصر وأحوالها، فقصد الهجرة بأهله وعياله الى الحرمين وعزم على الإقامة هنا، فلما حصل هناك رأى فيها الاختلاف والخلل، كذلك بسبب ظلم الشريف غالب وأتباعه وإغارة الوهابيين على الحرمين، وفتن العربان، فلم يستحسن الإقامة هناك واشتاق لوطنه فعزم على العودة على مصر فمرض بالطريق وتوفي ودفن بالينبع رحمه الله.
ومات الأمير حسين بك الذي عرف بالوشاش وهو من مماليك محمد بك الألفي، وكان يعرف أولاً بكاشف الشرقية لأنه كان تولى كشوفيتها وكان صعب المراس، شديد البأس، قوي الجنان. قلبه مع نحافة جسمه أعظم من جبل لبنان لا يهاب كثرة الجنود، وتخشى سطوته الأسود، ولما أجمعوا على خيانة الألفي وأتباعه قال لهم ابراهيم بك الكبير على ما بلغنا لا يتم مرامكم بدون البداءة بالمترجم فإن أمكنكم ذلك وإلا فلا تفعلوا شيئاً، فلم يزالوا يديرون عليه ويتملقونه له ويظهرون له خلاف ما يبطنون حتى تمكنوا من غدره على اصورة المتقدمة وسبب تلقبه بالوشاش أنه كان طلع لملاقاة الحجاج بمنزلة الوش في سنة ورود الفرنساوية، فلما لاقى الحجاج وأمير الحاج صالح بك رجع صحبتهم الى اشام وحصل منه بعد ذلك المواقف الهائلة مع الفرنساوية مع أستاذه ومنفرداً في الجهات القبلية والشامية، ولما انجلت الحوادث وارتحلت الفرنساوية من الديار المصرية واستقرت المصريون بعد حوادث العثمانية تآمر المترجم في ستة عشر صنجقاً المتآمرين وظهر شأنه، واشتهر فيما بينهم، ونفذت أوامره فيهم ونغص عليهم وناكدهم وعاندهم، وأغار على ما بأيديهم حتى ثقلت وطأته عليهم، فلم يزالوا يحتالون عليه حتى أوقعوه في حبال صيدهم وهو لا يخطر بباله خيانتهم وغدروه بينهم، كما ذكر.
ومات الأمير رضوان كتخدا ابراهيم بك وهو أغنى مماليكه رباه وأعتقه وجعله جوخداره. وكان يعرف أولاً برضوان الجوخدات واستمر في الجوخدارية مدة طويلة، ولما رجع مع أستاذه في أواخر سنة خمس ومائتين وألف بعد موت إسمعيل بك وأتباعه الى مصر أرخى لحيته وتقلد كتخدائية أستاذه، وتزوج ببعض سراريه وسكن دار عبدي بك بناحية سويقة العزى، ثم انتقل منها الى دار مكة على بركة الفيل تجاه بيت شكر فره وعمرها، وصارت له وجاهة بين الأمراء والأعيان، وباشر فصل الخصومات والدعاوى وازدحم الناس ببيته واشتهر ذكره وعظم شأنه وقصدته أرباب الحاجات، وأخذ الرشوات والجعالات، وكان يقرأ ويكتب ويناقش ويحاجج ويعاشر الفقهاء ويباحثهم ويميل بطبعه إليهم ويحب مجالستهم ولا يمل منهم وعنده حلم وسعة صدر وتؤدة وتأن في الأمور وإذا مهر له الحق لا يعدل عنه وعنده دهقنة ومداهنة وقوة خرم، ولما حضر علي باشا الطرابلسي على الصورة المتقدمة كان المترجم والمتعين في الإرسال إليه، فلم يزل يتحيل عليه حتى انخدع له وأدخل رأسه الجراب وصدق تمويهاته وحضر به الى مصر وأوردوه بعد الموارد وحاز بذلك منقبة بين أقرانه ونوه بعد بشأنه وخلعوا عليه الخلع وعرضوا عليه الإدارة فأباها، واستمر على حالته معدوداً في أرباب الرياسة وتأتي الأمراء الى داره، ولم يزل حتى ثارت العسكر على من بالبلدة من الأمراء. وحصروا ابراهيم بك ببيته وخرج في ثاني يوم هارباً والمترجم خلفه والرصاص يأخذهم من كل ناحية فأصيب في دماغه فمال عن جواده واستند على الخدم وذلك جهة الدرب الأحمر، فلم يزل في غشوته حتى خرجت روحه بالرميلة فأنزلوه عند باب العزب واحتاط به المتقيدون بالباب وأخذوا ما في جيوبه، ثم أحضروا له تابوتاً وحملوه فيه الى داره فغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة سامحه الله فإنه كان من خيار جنسه، لولا طمع فيه ولقد بلوته سفراً وحضراً يافعاً وكهلاً، فلم أر ما يشينه في دينه، عفوفاً طاهر الذيل وقوراً محتشماً فصيح اللسان حسن الرأي قليل الفضول بعيد النظر.
ومات العمدة الشريف السيد ابراهيم أفندي الروزنامجي وهو ابن أخي السيد محمد الكماحي الروزنامجي المتوفى سنة سبعة ومائتين وألف وأصلهم روميون الجنس، وكان في الأصل جربجياً، ثم عمل كاتب كشيدة وكان يسكن داراً صغيرة بجوار دار عمه، واستمر على ذلك خامل الذكر، فلما توفي عمه السيد محمد انتبذ عثمان أفندي العباسي المنفصل عن الروزنامة سابقاً يريد العود إليها عن شوق وتطلع لها وظنه شغور المنصب عن المتأهل إليه سواه، فلم تساعده الأقدار لشدة مراسه وسأل ابراهيم بك عن شخص من أهل بيت المتوفى فذكر له السيد ابراهيم المرقوم وخوله وعدم تحمله لأعباء ذلك المنصب، فقال لابد من ذلك قطعاً لطمع المتطلعين والتزم بمراعاته ومساعدته وطلبه ونقله من حضيض الخمول الى أوج السعادة والقبول، فتقلد ذلك وساس الأمور بالرفق والسير الحسن، واشترى داراً عظيمة بدرب الأغوات وسكنها، واستمر على ذلك الى أن ورد الفرنساوية الى مصر فخرج مع من خرج هارباً الى اشام، ثم رجع مع من رجع، ولم يزل حتى تمرض وتوفي في يوم الأربعاء سادس عشر القعدة من السنة رحمه الله.